الثلاثاء، 7 مايو 2013

بـلاد القبائـل



بـلاد القبائـل

بالرغم من ضراوة القمع الذي اوقع حتى الآن حوالى ستين قتيلا، فان ثورة المواطنين الغاضبين آخذة في الاتساع في الجزائر. وكانت بدأت في 18 نيسان/ابريل في منطقة القبائل اثر مقتل طالب شاب على يد رجال الدرك، يحمل اسما ذا دلالة رمزية هو ماسينيسا [1] غرماح. لا عجب ان تنطلق هذه الثورة الجديدة من منطقة متميزة بثقافتها ومتمردة في تقاليدها. فهنا حدث عام 1871 التمرد القبائلي الكبير الذي أغرق بالدم على يد الجنرالات الفرنسيين انفسهم الذين سحقوا كومونة باريس… هنا ايضا دارت بين 1945 و1962 اهم معارك حرب الاستقلال وهنا تجلى القمع الاستعماري في صوره الاكثر شراسة. وهنا ايضا انفجرت في 20 نيسان/ابريل 1980 خلال "الربيع البربري" التظاهرات الطالبية التي طالبت بالاعتراف بالثقافة الامازيغية وكان نصيبها القمع الوحشي
تعرض شعب القبائل [2] لاجتياحات عديدة فتم ابعاده تدريجيا وحصره وتهميشه في الجبال، مثله مثل سائر الجماعات المنبثقة من الشعب الامازيغي في افريقيا الشمالية. لم يندمج من البربر سوى القليل في الحضارة الرومانية كما بقيت المسيحية هامشية [3] . لم يفرض الاسلام نفسه الا في القرن الثاني عشر أي بعد 400 عام على الفتح العربي
ساهمت البيئة المعادية المحيطة بالقبائل في تصلب مقاومتهم وتكوين شخصية خصوصية لهم. وتتميز هذه الشخصية بلغة خاصة، التامازيت، وايضا بتعلق كبير بالارض ورفض دائم للرضوخ ونمط حياة خصوصي وادب متميز. اضافة الى مبدأ حكم مترسخ في العادات وقائم في كل قرية على رقابة مباشرة وصارمة للسلطة المركزية المنتخبة.
وقد عاد الى الظهور هذا الشكل من الديموقراطية التشاركية تحت اسم لجان الارتباط القروية او "العرش" لمناسبة التمرد الحالي الذي يكتسب هكذا طابع المعارضة الشعبية العفوية. كما امكن ملاحظة تشكيك المواطنين بالاحزاب التقليدية بما فيها تلك المتجذرة في المنطقة الامازيغية.
على غرار سائر الجماعات الامازيغية في المغرب العربي، سواء في الجزائر [4] او في المغرب نفسه (الريف، الاطلس، سوس)، فان احد المطالب القبائلية الثابتة هي الاعتراف بالخصوصية الثقافية المحلية وبالتمازيت كلغة وطنية. ومع ان هذه المطالب المتعلقة بالهوية قد ادت دور المفجر المحلي للتمرد، فانها لم تكن قط الهدف الرئيسي للمتمردين. فالذين اتهموهم بمحاولة "تقسيم الجزائر" او "السعي لتحقيق مطالب عرقية" قد كذبوا. فالحشود الجماهيرية التي تحركت في الاسابيع الاخيرة، وخصوصا في تظاهرة الجزائر العاصمة الضخمة في 14 حزيران/يونيو، قد رفعت شعارات وطنية معارضة لسياسة عامة تطاول المجتمع كله. وقد رفض المتظاهرون القبائليين صراحة الوقوع في الفخ العرقي اذ تمردوا باسم جميع الجزائريين في مواجهة نظام يعتبرونه فاسدا.
وخير دليل على ذلك ان التمرد توسع الى مناطق غير بربرية تعاني بدورها ازمة سكن ومياه شفة وطرقات وكهرباء، كما تعاني ايضا قمع رجال الامن والتعسف وظروف الحياة البائسة وغياب الديموقراطية والفساد والبطالة والفقر. وقد اعترف الرئيس بوتفليقه نفسه بذلك في خطاب القاه بتاريخ 22 حزيران/يونيو عندما أكد ان شباب القبائليون الغاضبين "لم يقعوا في فخ التآمر على الجزائر".
يبلغ معدل اعمار نصف السكان اقل من 25 سنة وتطاول البطالة ما نسبته 40 في المئة تقريبا ممن هم في سن العمل. البلد خارج من مواجهة دامت عشر سنين بين القوات الحكومية والاسلاميين المتمردين، وقد اعتبرت "احدى الحروب الاكثر دموية في العالم" [5] . وشكلت المبرر لاستمرار نظام سياسي عفا عليه الزمن ويتميز بالقمع وانعدام الشفافية فيما تقبض على السلطة الفعلية فيه طغمة عسكرية تستفيد من تحكمها باهم المفاصل الاقتصادية لتحقق ثروات خاصة بافرادها.
بين 1998 و2000 تضاعفت تقريبا المداخيل من جراء تصدير النفط ومشتقاته وهي الثروة الاساسية في الجزائرلكن الشعب لم يحصل على شيء من هذه الهبة التي تقدر بـ 25 مليار يورو. سوى ان الفروقات تزداد والسلطة تبدو غير عازمة على التغيير او على الاصغاء الى الشكاوى في وقت وصل الوضع الى نقطة اللارجوع. كيف لا نتفهم اذا "فاقدي الامل" الذين نزلوا الى الشوارع وهم يصرخون "لا تسامح!" ويطالبون بنوع من الثأر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


جميع الحقوق محفوظة TH3 Professional security ©2010-2013 | جميع المواد الواردة في هذا الموقع حقوقها محفوظة لدى ناشريها ، نقل بدون تصريح ممنوع . Privacy-Policy| اتفاقية الاستخدام|تصميم : ألوان بلوجر